سورة طه - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{يَفْقَهُوا قَوْلِي(28)}
هذه هي العِلّة في طلبه، ولولاها ما طلب انطلاقة اللسان. والفقه هو أن يفهموا الكلام والحديث عنه.
ويواصل موسى عليه السلام ما يراه مُعيناً له على أداء مهمته: {واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي}


{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي(29)}
وزيراً: أي: معيناً وظهيراً. والحق سبحانه وتعالى لما أراد أنْ يُخوِّف الناس من الآخرة قال: {كَلاَّ لاَ وَزَرَ إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر} [القيامة: 11- 12].
أي: لا ملجأ ولا معين تفزع إليه إلا الله، فالوزير من(وَزَر)، ويطلب الوزير حين لا يستطيع صاحب الأمر القيام به بمفرده، فيحتاج إلى مَنْ يعينه على أمره، وهو وزير إنْ كان ناصحاً أميناً يُعين صاحبه بصِدْق، فإنْ كان غاشَّاً لئيماً يعمل لصالح نفسه، فليس بوزير، بل هو(وِزْر)، ومنه قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} [فاطر: 18].
وفي الحديث النبوي الشريف: (خَيْر الملوك ملك جعل الله له وزيراً، إنْ نسي ذكَّره، وإنْ نوى على خير مجرد نيّة أعانه، وإن أراد شرّاً كفَّه...).
تلك علامات الوزير الناصح للرعية كما بيَّنتها سياسة السماء؛ لأن لكل حاكم بطانتين: واحدة تأمر بالمعروف، وأخرى تأمر بالمنكر كما جاء في الحديث الشريف.
فإنْ كانت هذه هي سياسة السماء، فماذا عن سياسة البشر؟
يقول أنو شروان: إياكم أنْ تفهموا أن أحداً مِنَّا يستغني عن أحد، فلكُلِّ واحد مهمته، فإنْ زدت في شيء فقد نقصت في أشياء، جعلها الله في غيرك ليكمل بها نقصك، فالمعايشة مشتركة، لكن هذه المشاركة تفرضها الضرورة لا التفضّل، وإلاَّ لو لم يتفضّل عليك غيرك فماذا تفعل؟
وسبق أن ضربنا مثلاً لحاجة الناس بعضهم لبعض، قلنا: ماذا يحدث لو امتنع رجال الصرف الصحي أو الكناسون عن العمل لعدة أيام؟ أما لو غاب الوزراء لعدة أيام فلن يحدث شيء.
إذن: لا تظن أنك أفضل من الآخرين؛ لأن لكل منهم مهمة يؤديها، فإنْ كنتَ خيراً منه في هذه فهو خير منك في هذه؛ لأن مجموع مواهب كل إنسان يساوي مجموع مواهب الآخر، فإنْ قلتَ: فلماذا وُجِد التفاوت بين الناس؟
قالوا: لتكون هناك ضرورة في حاجة بعضنا لبعض، فلو تساوَى الجميع لقلنا لجماعة منا: تفضّلوا بكنس الشوارع يوم كذا فلن يتفضلوا، أما إنْ ألجأتْهم الحاجة إلى مثل هذا العمل فسوف يسارعون إليه، كما نرى الآن في أشقَّ المهن وأصعب المهام التي ينفر منها الناس بل ويحتقرونها ترى صاحبها مُقبلاً عليها حريصاً على القيام بها، رغم ما فيها من مشقّة، بل ويغضب إنْ لم يجد فرصة للعمل، لماذا؟ لأنه مصدر قُوته وقُوت عياله.
وبهذه النظرة لا يتعالى أحد أو يستكبر ليحدث في المجتمع توازن استطراقي.
وقوله: {مِّنْ أَهْلِي} [طه: 29] أي: ليكون مأموناً عليَّ.
وهذا المطلب من موسى عليه السلام يشير لأدب عال من آداب النبوة، وقد اختار الله موسى للرسالة، فلماذا يشرك معه أخاه في هذه المهمة؟ إذن: موسى لا يريد أنْ يفخَر بالرسالة، أو يتعالى بها، أو يطغى، إنما يريد أن يقوم بها على أكمل وجه؛ لذلك يحاول أنْ يُكمل ما فيه من نقص بأخيه ليُعينه على تبليغ رسالته، ولو أراد الاستئثار بالرسالة ما طلب هذا الطلب.
وهذا نموذج يجب أنْ يُحتذَى، فإنْ كُلِّفت بأمر فوق طاقتك فلا غبارَ عليك أن تستعين عليه بغيرك، فهذا دليل على إخلاصك للمهمة التي كُلِّفت بها.


{هَارُونَ أَخِي(30)}
فاختار أخاه هارون ليعينه في مهمة الرسالة.
ثم أوضح العلّةَ في ذلك، فقال في آية آخرى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} [القصص: 34].
وهكذا يتكامل موسى وهارون ويُعوِّض كل منهم النقص في أخيه. ويُقال: إن هارون عليه السلام كان يمتاز على موسى في أمور آخرى، فكان به لِينٌ وحِلْم، وكان موسى حاداً سريع الغضب، فكان هارون للِّين، وموسى للشدة.
ويتضح هذا حينما عاد موسى إلى قومه، وقد تركهم في صُحْبة أخيه هارون فعبدوا العجل فاشتد غضبه، كما قال تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} [الأعراف: 150].
تم احتدّ على أخيه، وجذبه من ذَقْنه، وظهرتْ حِدَّته. وقَسْوته، فماذا قال هارون؟ {قَالَ ابن أُمَّ} [الأعراف: 150] ليستعطفه ويُذكِّره برأفة الأم وحنانها {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} [طه: 94]، كأنه يقول لأخيه: اضربني كما تريد، لكن لا تروعني في لحيتي، وفي رأسي.
إذن: فالفصاحة في هارون تجبر العُقدة في لسان موسى، واللين يجبر الشدة والحدة. وأيضاً فإن موسى عليه السلام كان أسمر اللون، أجعد الشعر، أقنى الأنف، أما هارون فكان أبيض اللون، مُرْسَل الشعر، وسيم التقاطيع والملامح، ترتاح له الأبصار، فمَنْ لم يرتَحْ لموسى ارتاح لهارون.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن ينزل الوحي عليه في صورة دِحيْة الكلبي، وكان رضي الله عنه وسيماً، ترتاح له العين لرؤيته، فكان جبريل عليه السلام ينزل عليه في هذه الصورة لِيُؤنسه.
وموسى عليه السلام مع ما تميَّز به أخوه هارون عليه من هذه الصفات لم يحقد على أخيه، ولم ينظر إليه على أنه أفضل منه، إنما جعل صفات أخيه مكملة لصفاته، والجميع من أجل أداء الرسالة وتبليغها على وجهها الأكمل، فلم ينظر إلى نفسه ونجاحه هو، وإنما إلى نجاح المهمة التي كلّفه الله بها.
ويجب أنْ يشيعَ هذا الخُلق بين الناس، فإنْ رأيت خَصْلةَ خَيْر في غيرك، أو وجهاً من وجوه الكمال في غيرك، فاحمد الله عليها، واعلم أنها سيعود عليك نفعها، وستجبر ما عندك من نقص فلا تحقد عليه؛ لأنه سيتحمل ما فيك من قصور، وتنتفع أنت بخيره.
ثم يقول الحق سبحانه أن موسى عليه السلام قال: {اشدد بِهِ أَزْرِي}

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13